د. شذى البصري
من عاش في العراق قبل 2003 يعلم أن حزب البعث قد وضع خططا لتنظيماته بعد السقوط المتوقع لنظامه على أيدي التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة، وحينها عمل تدريباتٍ لاجتماعاته الحزبية داخل البيوت بشكل سري، وبعد 9 نيسان 2003 انتشر منشور يتضمن تعليمات لجميع أعضاء حزب البعث وفدائيي صدام والأجهزة القمعية وأبنائهم للانخراط في الأحزاب الإسلامية الشيعية تحديدا، لاسيما انهم أصبحوا يجيدون لغة الإسلاميين وطباعهم بعد أن جرى تدريبهم وتعليمهم في ما يسمى الحملة الإيمانية.
ركّزت التعليمات على أن يتوزع أفراد العائلة البعثية الواحدة في عدد من الأحزاب لضمان توفر الفرص لهم في تسلّم المناصب والقبول في البعثات الدراسية وغيرها. ولهذا لن تتفاجأ حينما ترى اغلب مدراء مكاتب وزراء السلطة هم أبناء البعث، كذلك قادة الجيش والشرطة والمخابرات.. وغيرها.
كمال الساعدي، القيادي في حزب الدعوة يبرر أثناء تظاهرات شباط 2011 اعتمادهم على ما يسميهم الكفاءات الإدارية البعثية بالقول: (اضطررنا لذلك لان البعثيين كانوا يمسكون الدولة ويعرفون أسرارها وهم خبراء فيها). ربما نجد العذر للساعدي لانهم كانوا منفصمين عن الشارع العراقي قبل إسقاط النظام البعثي، لكن الأدق أن حزب الدعوة وسواه من الأحزاب الشيعية كانت تبحث عن أعضاء مخلصين (لوكية)؛ حيث كان عدد أعضاء حزب الدعوة بعد السقوط لا يزيد على 60 فردا، وجميعهم زعامات وشيوخ منتفخون بعدما صدقوا كذبة إسقاطهم للبعث. نعم، يمكن استثناء المجلس الأعلى الذي كان يضم عدة مئات من الأعضاء من كبار السن، لكن اغلبهم وصل للعراق بحثا عن تقاعد مريح أو زوجة شابة، بعد رحلة الغربة الطويلة والممتدة بين الأسر، ثم فترة التوابين وفيلق بدر.
عمليا، لا يوجد تنظيم حزبي في العراق سوى حزب البعث الذي انقسم أعضاؤه إلى أجزاء متناثرة؛ فالبعثي العقائدي بقي يقاوم النظام الجديد دون التنازل عن مبادئه الدموية، فعمل مع القاعدة وكتائب ثورة العشرين وداعش ثم محركا فاعلا لما يسمى ثورة تشرين، التي لا يعرف أعضاؤها من الشباب الصادق من حدّد لهم تاريخ 1 تشرين 2019 لبداية هذا التسونامي الكبير، الذي دعمته جهات اقليمية وإعلام غربي محترف في صناعة القصص الملفقة! ورغم ان البعثيين نشروا علمهم ذا النجوم الثلاثة وعبارة "الله أكبر" بخط قائدهم الرمز صدام حسين، فلم يتهمهم احد بشكل مباشر وانما تزاحم الجميع للظفر بانتساب تشرين له، ضمن فوضى الغباء السياسي والتهافت لشخصيات تجيد الاحتيال والنصب فكانت فرصة لبناء زعامات وهمية، جنت أموالا تصل من جهات إقليمية، تخشى تطور النظام الديمقراطي ونجاحه في العراق لان ذلك يشكل خطرا على أنظمتهم العائلية الفاسدة.
انتشر بقية أعضاء حزب البعث بحسب نوعية وطبيعة شخصية البعثي؛ فالشرس منهم اصبح "صدريا" والجبان الخنيث اصبح "مجلسيا" و"دعوجيا".. وهكذا بقية الأحزاب.
أمّا المثقفون منهم فاصبحوا منظرين لأحزاب إسلامية مثل حزب الفضيلة وغيره، لكن القيادة البعثية متفقة على انتظار فرصة الخلاص الثوري من هذا النظام الذي يصفونه بالعمالة برغم انهم اكبر المستفيدين من امتيازاته ومناصبه وبعثاته الدراسية ورواتبه الفلكية. وقد يشكل سلوك مقتدى الصدر مناسبا لهم حينما ينتفض ضد النظام السياسي، بينما ينقمون عليه حينما ينسحب بشكل مفاجئ في كل مرة يحلمون بانها فرصتهم في الانقلاب، ولهذا فهم يرددون في سرهم وفي جلساتهم الخاصة (ان مقتدى الصدر لا يؤتمن، فطالما أخذنا للشط وأرجعنا عطاشا).
بعد توفر مواقع التواصل الاجتماعي، اصبح النضال سهلا ومجانيا، ولا يشكل كلفة كبيرة او مخاطرة على حياتهم؛ فكل استراتيجيتهم تنحصر في رسم صورة سوداء عن العراق وإشاعة جمل تشيع اليأس والكآبة والتذمر، وأخرى تدفع التهمة عنهم مثل (منين اكو بعثي باقي عدل، عمي ناس كبار اغلبهم مات والعايش ضغط و سكر...).
الصولة الأخيرة لحامي النظام الوحيد الحشد الشعبي ومنظومته الأمنية والاستخباراتية أثبتت صحة ما نقول وأثبتت أن البعث مكشوف وليس مستحيلا كشفهم لاسيما ان مواقع التواصل الاجتماعي تشي عن نواياهم، الآن اختفوا بعد ان أتتهم التعليمات بعدم النشر الواضح والانحناء لكي تمر عاصفة الحشد، ولهذا السبب فقط نرى استهداف الحشد لان بوجود الحشد لن يعود البعث مطلقا، لكن على الشعب ان يناصر الحشد، وان يطلب منه استمرار الملاحقات لكي لا يضيع العراق بفوضى يخطط لها البعث منذ 2003 وحتى الآن.
10 سبتمبر 2022